الشّيخ مُحمّد البشير الإبراهيمي كان مُحدِّثًا
صفحة 1 من اصل 1
الشّيخ مُحمّد البشير الإبراهيمي كان مُحدِّثًا
الشّيخ مُحمّد البشير الإبراهيمي كان مُحدِّثًا (1)
الكثير من المُثقّفين و المُهتمّين لتاريخ جمعيّة العُلماء، و تاريخ عُلمائها، و على وجه الخُصوص تاريخ الشّيخ مُحمّد البشير الإبراهيمي (1889 م ـــ 1965 م)، يخفى عليهم جانب مُهمٌّ من التّاريخ العلمي لهذه الشّخصية ؛ و هو أنّه كان من المُحدّثين القلائل الّذين عرفتهم الجزائر في القُرون المُتأخّرة، على غرار تبحّره في علوم اللُّغة و الأدب و الفقه.
هذا العملاق الّذي قال عنه قرينه العلّامة عبد الحميد بن باديس (رحمه الله) : (عجبت لشعب أنجب مثل البشير الإبراهيمي أن يضلّ في دين أو يُخزى في دُنيا أو يذلّ لاستعمار.) اهـ، و قال عنه أيضًا صديقه الشّيخ العربي التّبسي (رحمه الله) : (إنّ الإبراهيمي فلتة من فلتات الزّمن، و إنّ العظمة أصل في طبعه.) اهــ .
هو مُحدّث كبير، يحفظ مُوطّأ الإمام مالك (رضي الله عنه)، و شيئا كثيرا من مُسند الإمام أحمد بن حنبل (رضي الله عنه)، و صحيح البُخاري (رضي الله عنه)، و صحيح مُسلم (رضي الله عنه)، مع معرفة كاملة و تامّة برجال الحديث، قال عنه تلميذه الشّيخ أحمد سحنون (رحمه الله) : (إنّه الرّجل الأُسطورة، كان يحفظ الحديث بسنده، و كان يعرف أحوال الرّجال جرحًا و تعديلاً.) اهـ ، و قال عنه الدُّكتور عبد المجيد مُزيان (رحمه الله) رئيس المجلس الإسلامي الأعلى (سابقًا) : (كان إمامًا لا نظير له في عُلوم الحديث.) اهـ.
و لأدلّ على ذلك ما قاله هو عن نفسه (رحمه الله) : (... و ما بلغت الرّابعة عشرة حتّى كُنت أحفظ ألفتي العراقي في الأثر و السّير...) اهـ، و قال : (... و أعانتني تلك الحافظة على استيعاب أسماء الرّجال و حفظ كتب كاملة في الحديث...) اهـ، و قال (حين إقامته بالقاهرة) : (... و مررت في وجهتي هذه بالقاهرة، فأقمت بها ثلاثة أشهر و حضرت بعض دُروس العلم في الأزهر و عرفت أشهر عُلمائه فممّن عرفتهم و حضرت دروسه، الشّيخ سليم البشري، و الشّيخ مُحمّد بخيت، حضرت درسه في البُخاري في رواق العباسي،..... و الشّيخ سعيد المُوجي ذكر لي أنّ له سندًا عاليًا في رواية المُوطّأ فطلبت أن أرويها عنه بذلك السّند و حضرت مجالسه بجامع الفاكهاني مع جمهور من الطّلبة و تولّيت قراءة بعض المُوطّأ عليه من حفظي.) اهـ، و قال (حين إقامته بالمدينة المُنوّرة) : (... و لم أجد علمًا صحيحًا إلّا عند رجلين هُما شيخاي : الشّيخ العزيز الوزير التُّونسي، و الشّيخ حُسين أحمد الفيض آبادي الهندي، فهما ـــ و الحقّ يُقال ـــ عالمان مُحقّقان واسعا أُفق الإدراك في علوم الحديث و فقه السُّنّة، و لم أكن راغبًا إلّا في الاستزادة من علم الحديث، رواية و دراية، و من علم التّفسير، فلازمتهما مُلازمة الظّلّ، و أخذت عن الأوّل المُوطّأ دراية،..... و لازمت الثّاني في درسه لصحيح مُسلم.) اهـ، و قال (حين إقامته بالمدينة المُنوّرة أيضا) : (و أخذت الجرح و التّعديل و أسماء الرّجال عن الشّيخ أحمد البرزنجي الشّهرزوري في داره أيّام انقطاعه عن التّدريس في الحرم النّبويّ، و كان من أعلام المُحدّثين، و من بقاياهم الصّالحة.) اهـ ، و قال (حين إقامته بدمشق) : (... و ألقيت دُروسًا (تحت قُبّة النّصر الشّهيرة) على طريقة الأمالي فكُنت أجعل عماد الدّرس حديثًا أُمليه من حفظي بالإسناد إلى أصوله القديمة، ثمّ أُملي تفسيره بما يُوافق رُوح العصر و أحداثه.) اهـ، و قال (حين إقامته بتلمسان و تأسيسه لمدرسة دار الحديث سنة 1932 م) : (... فكُنت أُلقي عشرة دُروس في اليوم، أبدأها بدرس في الحديث بعد صلاة الصُّبح.) اهـ .
و ممّا يُذكر في هذا المقام إجازته للشّيخ مُحمّد الفاسي المغربي الّتي جاء فيها : (... أجزت أخانا الشّيخ مُحمّد الفاسي برواية كُتب الحديث (الصّحيحين و مُسند أحمد و المُوطّأ)، و كُتب الرّجال و الجرح و التّعديل، و جميع مُتون العلم و أُمّهاته، و كذلك أجزته بأن يروي عنّي جميع ما في الأثبات المعروفة من أمّهات الفقه و الحديث، و كذلك جميع ما احتوت عليه هذه الأثبات من المُسلسلات، كالمُسلسل بالأوّليّة و بالمُصافحة، و سأكتبها له بالتّفصيل في فُرصة أُخرى، و أهمّها ثبت الشّيخ عبد الله بن سالم البصري، و ثبت المُلّا إبراهيم الكوراني، و ثبت الشّيخ صالح الفلّاني، و ثبت الشّيخ فالح الظّاهري المهناوي الكبير و الصّغير عن الشّيخ مُحمّد بن عليّ الخطّابي السّنوسي. و غالب هذه الأثبات أرويها عن جماعة من مشائخي منهم الشّيخ أحمد البرزنجي و الشّيخ حُسين أحمد الفيض آبادي الهندي، و الشّيخ مُحمّد العزيز الوزير التُّونسي، و الشّيخ يُوسف بن إسماعيل النّبهاني، و الشّيخ سعيد الرّداد المصري، و إجازتهم لي جامعة لجميع الأثبات المذكورة، و تلتقي و تفترق حتّى إنّ الكثير منها يتّصل بأئمّة المغرب كالقاضي عياض، و الإمام أبي الوليد الباجي شارح المُوطّأ، و الحافظ أبي عمرو يُوسف بن عبد البرّ، بحيث لا يذكر الذّاكر كتابًا معروفًا إلّا و وجد نفسه مُتّصلاً بالرّواية إلى مُؤلّفه.) اهـ. و كُلّ ما ذكرته عن هذه الشّخصيّة مُثبت بالأدلّة و المراجع.
لقد أردت من كتابة هذه الأسطر القليلة أن أُوضّح جانبًا مُهمّا ـــ و الّذي غفله الكثيرون ـــ من الجوانب العلميّة الّتي اختصّ بها الشّيخ الإبراهيمي (رحمه الله)، و هو جانب ضروريّ في تكوين الشّخصيّة العلميّة، حتّى تكون على عقيدة صحيحة و منهج سليم، و لقد قرأت و سمعت عن الكثير ممّن يُعرفون بالعلم، كيف أنّهم زاغوا و ابتدعوا عن المنهج السّويّ ؛ لأنّهم لم يهتمّوا لعلم الحديث، و كانت بضاعتهم فيه نزرة جدًّا، لأنّ العناية ــ كما لا يخفى ــ بالحديث النّبويّ تُورِّث محبّة السُّنّة، و محبّة السُّنّة تُورِّث الاتّباع، و الاتّباع هو النّجاة.
أسأل الله العليّ القدير أن يجعل ما كتبته عن الشّيخ العلّامة مُحمّد البشير الإبراهيمي (رحمه الله) بمقربة من رضاه، و أن يغفر لي و لوالديّ و لأهلي و لجميع المسلمين، إنّه وليّ ذلك و القادر عليه، و صلّى الله و سلّم على سيّدنا مُحمّد و على آله و صحبه و من والاه.
هوامش
1 ـ لقد خصّصته بمقال سابق عُنوانه ( الشّيخ مُحمّد البشير الإبراهيمي من ذخائر التّاريخ الإسلامي ) ، مُؤرّخ في 25 شوّال 1426 هـ ، المُوافق 27 نوفمبر 2005 م ، و قد نشرته جريدة العربي الأسبوعيّة ، و ترجمت له في كتابي " طبقات المالكيّة خلال المئة الهجريّة الأخيرة " المطبوع ، و " المُحدّثون و جُهودهم في القرنين الرّابع عشر و الخامس عشر الهجريين " القريب النّشر .
كتبه أبو مُحمّد سعيد هرماس
مواضيع مماثلة
» الشّيخ مُحمّد البشير الإبراهيمي...من ذخائر التّاريخ الإسلامي
» الشّيخ مُحمّد باي بلعالم تُعرِّفه كُـتُبُه
» (``·. دولة القرآن مقال رائع للشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله .·``)
» مُحمّد بنشريفة مُحقّقًا
» العلّامة مُحمّد الطّاهر بن عاشور... علمٌ لم يلق حظّه
» الشّيخ مُحمّد باي بلعالم تُعرِّفه كُـتُبُه
» (``·. دولة القرآن مقال رائع للشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله .·``)
» مُحمّد بنشريفة مُحقّقًا
» العلّامة مُحمّد الطّاهر بن عاشور... علمٌ لم يلق حظّه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى