تقويم النَّفس ومحاسبتها.

اذهب الى الأسفل

تقويم النَّفس ومحاسبتها. Empty تقويم النَّفس ومحاسبتها.

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء نوفمبر 16, 2016 6:33 am


الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه.
أما بعد فهذه كلمات نيرات انتقيتها من مقال ماتع للشيخ محمد الوزاني حفظه الله تعالى، قال:

هل تعرف - أيُّها المسلم! - ما هي الأسباب الَّتي تجعل حسابك يوم القيامة يسيرًا؟

إنَّها كثيرة ومتعدِّدة، ولكن أعظمها وأساسها محاسبة النَّفس في الدُّنيا.

قال الحسن البصري - رحمه الله -: «المؤمن قوَّام على نفسه، يحاسب نفسه لله - عزَّ وجلَّ -، وإنَّما خفَّ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدُّنيا، وإنَّما شقَّ الحسابُ يوم القيامة على أقوام أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة».

إنَّ محاسبة النَّفس من أوكد الواجبات، قال ابن القيِّم - رحمه الله -: «قد دلَّ على وجوب محاسبة النَّفس قوله تعالى: +يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ_ [الحشر: 18]، يقول تعالى: لينظرْ أحدكم ما قدَّم ليوم القيامة من الأعمال: أمن الصَّالحات الَّتي تنجيه، أم السَّيِّئات الَّتي توبقه؟

قال قتادة: ما زال ربُّكم يقرِّب السَّاعة حتَّى جعلها كغد.

والمقصود أنَّ صلاح القلب بمحاسبة النَّفس، وفساده بإهمالها والاسترسال معها».

فيا عبد الله! حاسب نفسك في خلوتك، وتفكَّر في انقراض مدَّتك، واعمل في زمان فراغك لوقت شغلك، وتدبَّر قبل الفعل ما يملى في صحيفتك، وانظر هل نفسك معك أو عليك في مجاهدتك.

لقد سعد من حاسبها، وفاز - والله! - من جاهدها، وقام باستيفاء الحقوق منها وطالبها، وكلَّما ونت عاتبها، وكلَّما توقَّفت جذبها، وكلَّما نظرت في آمال هواها غلبها.

فاتَّخِذْ - أيُّها المسلم! - وقتًا تخلو فيه بنفسك، تنظر في أصناف أفعالها، ظاهرها وباطنها، وتحاسبها، فإنَّ هذا من شِيَمِ العقلاء النُّبهاء.

عن وهب بن منبِّه قال: «مكتوب في حكمة آل داود: حقٌّ على العاقل أن لا يَغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربَّه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الَّذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذَّاتها فيما يحلُّ ويجمل، فإنَّ في هذه السَّاعة عونًا على تلك السَّاعات، وإجمامًا للقلوب».

إنَّ نفسك قد تكون من جندك، كما قد تكون من أعدائك.

فإنْ حاسبتها سَلِمْتَ من شرِّها وأدخلتها في صفِّك، وإن خلَّيتها وأهملتها استأسدت وسلَّت سيف بَغْيها عليك فيوشك أن تقتلك أو ترديك.

قال ميمون بن مهران: «لا يكون العبد تقيًّا حتَّى يكون لنفسه أشدّ محاسبة من الشَّريك لشريكه.

ولهذا قيل: النَّفس كالشَّريك الخوَّان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك».
فكذلك ينبغي أن يكون المسلم مع نفسه، يسألها عن رأس ماله؛ ماذا فعلت فيه؟ ورأس مال العبد في دينه (الفرائض)، وربحه (النوافل والفضائل)، وخسارته (تضييعه لذلك وتعديه لحدود الله)، وموسم هذه التِّجارة اللَّيل والنَّهار.
ألا تعلم - يا عبد الله! - بأنَّ من أدَّى الفرائض وتطوَّع بالنَّوافل؛ أحبَّه الله تعالى

يقول الله تعالى في الحديث القدسي: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ؛ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطَيَنَّهُ، ولئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ.
إنَّ سلفنا الصَّالح ضربوا لنا أروع الأمثلة في محاسبة النَّفس لمن يريد أن يقتدي، وأخبارهم في ذلك كاللآلئ والحليِّ، زُيِّنت بها بطون الكتب.

ولقد انتقيت منها ما يناسب المقام:

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعتُ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوما وخرجت معه حتَّى دخل حائطًا، فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط: «عمر بن الخطاب أميرُ المؤمنين! بَخٍ بَخٍ، والله لتتَّقينَّ اللهَ - ابن الخطَّاب! - أو ليعذِّبنَّك».

عن سلمة بن منصور، عن مولى لهم كان يصحب الأحنف ابن قيس قال: كنت أصحبه فكان عامَّة صلاته الدُّعاء، وكان يجيء المصباح فيضع أصبعه فيه ثم يقول: حس! ثمَّ يقول: يا حنيف! ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟! ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟!

وعن زائدة بن قدامة قال: كان منصور بن المعتمر إذا رأيتَه؛ قلتَ: رجلٌ قد أصيب بمصيبة، ولقد قالت له أمُّه: ما هذا الَّذي تصنع بنفسك؟! تبكي اللَّيل عامَّته، لا تكاد أن تسكت، لعلَّك يا بنيَّ! أصبت نفسًا، أقتلت قتيلاً! فيقول: «يا أمَّاه! أنا أعلم بما صنعت نفسي».
وقال محمَّد بن المنكدر: إنِّي خلفت زياد بن أبي زياد مولى ابن عيَّاش وهو يخاصم نفسه في المسجد يقول: «اجلسي أين تريدين؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه؛ تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان ودار فلان؟».
فيا عبدَ الله! إذا أردت أن تعرف قيمة هذه الحياة، وإذا أردت أن تعرف أعزَّ وأغلى ما فيها وما هو حريٌّ بأن تطلبه وتسعى في تحقيقه وتبذل النَّفس والنَّفيس في سبيل ذلك؛ تصوَّر لو مثِّلت لك نفسك في الجنَّة تأكل ثمارها وتشرب من أنهارها وتعانق أبكارها، ثمَّ مثِّلت لك نفسك في النَّار تأكل من زقُّومها وتشرب من حميمها وتعالج سلاسلها وأغلالها؛ فلو سألت نفسك حينئذ وقلت لها: أيْ نفسي! أيُّ شيء تريدين؟
فإنَّها تقول لك لا محالة: أريد أن أردَّ إلى الدُّنيا فأعمل صالحًا، فأنت في الأمنية فاعمل!
___________________
من المراجع المعتمدة:
«المصنف» لابن أبي شيبة (36375)، و«الزهد» لابن المبارك (307).
«إغاثة اللهفان» (1/ 84).
«محاسبة النفس» لابن أبي الدنيا (ص15).
صحيح البخاري (6502) .
«الموطأ» (1800)، و«الزهد» لأحمد (597).
«شعب الإيمان» (813).
«صفة الصفوة» (3/ 90 ـ 91).
منقول بتصرف :الشيخ الفاضل محمد الوزاني - راية الاصلاح.


Admin
Admin

المساهمات : 2275
تاريخ التسجيل : 12/11/2016

https://theparadise-road.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى