جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

اذهب الى الأسفل

جمعية العلماء المسلمين الجزائريين Empty جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

مُساهمة من طرف Admin الجمعة نوفمبر 18, 2016 3:11 pm


1 ـ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين :
هذا... وكان أوّل ظهور للدعوة في شكل منظّم في الجزائر على يد الإمام عبد الحميد ابن باديس رحمه الله إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر لمّا أنشأ مع ثلّة من العلماء "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" وكان ذلك بتاريخ الثلاثاء 17 ذي الحجة 1349هـ الموافق لـ 05 مايو 1931 بنادي الترقي بالعاصمة ـ الذي فتح أبوابه يوم 3 جويلية 1927ـ وتشكّلت من أبرز العلماء الجزائريين في تلك الفترة « من 72 عالما جزائريا يُكَوِّنون مختلف الحساسيات والاتجاهات الدينية» «مالكيين وإباضيين، مصلحين وطرقيين» موظفين وغير موظفين، كما حضر الاجتماع طلبة العلم من مختلف جهات الوطن، واعتذر بالكتابة والقبول نحو خمسين عالما آخرين ، ويصف الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله كيف نجح هو وبن باديس رحمه الله في اجتذاب العلماء والفقهاء إلى الجمعية، فقال : « دعَوْنا فقهاء الوطن كلهم، وكانت الدعوة التي وجهناها إليهم صادرة باسم الأمة كلها ليس فيها اسْمِي ولا اسم بن باديس، لأن أولئك الفقهاء كانوا يخافوننا لما سبق من الحملات الصادقة على جمودهم، وَوَصْفَنَا إياهم بأنهم بلاءٌ علىَ الأمة وعلى الدين، لسكوتهم على المنكرات الدينية، وبأنهم مطايا الاستعمار، يُذِلُّ الأمة ويستعبدها باسمهم... قال: فاستجابوا جميعًا للدعوة واجتمعوا في يومها المقررـ ودام اجتماعنا في نادي الترقي بالجزائر أربعة أيام، ولما تراءت الوجوه، وتعالت أصوات الحق أيقن أولئك الفقهاء أنهم مازالوا في دور التلمذة، وخضعوا خضوع المسلم للحق، فأسلموا القيادة لنا فانتخب المجلس الإداري من رجال أكفاء، جمعتهم وحدة المشرب ووحدة الفكرة... ووحدة المناهضين للاستعمار، وقد وكّل المجتمعون ترشيحهم إلينا فانتخبوهم بالإجماع وانتخبوا بن باديس رئيسًا.. وأصبَحَت الآن الجمعية حقيقة واقعة قانونية، وجاء دور العمل» وكان الأبرز من هؤلاء الشيوخ: عبد الحميد بن باديس، البشير الإبراهيمي، الطيب العقبي، العربي التبسي، مبارك الميلي، الأمين العمودي ، وترأس اللجنة التأسيسية السيد عمران إسماعيل، وتمّ تعيين مجلس إداري من 13 عضوا، ورغم غياب الشيخ عبد الحميد بن باديس إلاّ أنه انتُخِب رئيسا للجمعية، واختير الشيخ البشير الإبراهيمي نائبا له، ولمّا انعقد أوّل اجتماع بالمجلس الإداري للجمعية على إثر انتخابه وهو غائب قال مخاطبا لهم: « إخواني، إنني ما كنتُ أعُدُّ نفسي أهلاً للرياسة لو كنتُ حاضرًا يوم الاجتماع الأول، فكيفَ تخطُر لي بالبال وأنا غائب؟! لكنكم بتواضعكم، وسلامة صدوركم، وسُمُوّ أنظاركم، جئتم بخلاف اعتقادي في الأمريْنِ فانتخبتموني للرياسة وأنا غائب»...«إخواني، إنني كنتُ أَعُدُّ نفسي مِلْكًا للجزائر، أما اليوم فقد زدتم في عُنقي مِلْكِيةً أخرى؛ فاللهَ أسألُ أن يُقْدرني على القيام بالحق الواجب»..« إخواني، إنني أراكم في علمكم واستقامة تفكيركم لم تنتخبوني لشخصي، وإنما أَردتم أن تُشيرواْ بانتخابي إلى وَصْفَين عُرِفَ بهما أخوكم الضعيفُ هذا: الأول أنني قَصَّرْتُ وقتي على التعليم، فلا شُغلَ لي سواه، فأردتم أن تَرمزوا بانتخابي إلى تكريم التعليم، إظهارا لـمقْصَدٍ من أعظَمِ مقاصِدِ الجمعية، وحثًّا لجميع الأعضاء على العناية به كلٌّ بجهده، الثاني، أَنَّ هذا العبدَ له فكرةٌ معروفةٌ، وهو لن يَحيدَ عنها ولكنه يُبلِّغها بالتي هي أحْسن، فَمن قَبلها فهو أخٌ في الله، ومن ردَّهَا فهو أخٌ في الله، فالأخوة في الله فوقَ ما يُقبَلُ وما يُرد، فأردتم أن ترمزواْ بانتخابي إلى هذا الأصل: وهو أن الاختلاف في الشيء الخاص لا يَمَسُّ روحَ الأخوة في الأمر العام، فماذا تقولون أيها الإخوان؟»..«فأجابوا كلهم بالوفاق والاستحسان.» « ثمّ لمّا مات الشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله انتخِب الشيخ البشير الإبراهيمي خلفا له وهو في منفاه في (أفلو) الذي قضى فيه ثلاث سنوات» وهذه الجمعية هي أول حركة إصلاحية في الجزائر وكانت تقوم على الدعوة السلفية الأصيلة والتربية الصافية من البدع والخرافات، وامتد النشاط ليشمل كل جوانب الحياة في مراحل تتصف بالتطور إلى أن وصلت الدعوة إلى الشكل الذي نحن عليه «فجمعية العلماء التي انضمت إلى جبهة التحرير الوطني سنة 1956 كأفراد وليس كتنظيم، عمل بعض قادتها (الشيخ الإبراهيمي) بالموازاة مع ذلك، من خلال نشاطاتهم ضمن جبهة التحرير خارج الجزائر، وفي مصر بالتحديد على تكوين أفرادها على أساليب المعارضة السياسية والسماح لمناضلي الجمعية خاصة الشبان منهم، الدارسين بجامع الأزهر والمعاهد المصرية بالانضمام إلى حركة الإخوان المسلمين.. وهذه السياسة المزدوجة التي تبنتها الجمعية أثناء حرب التحرير، هي التي جعلت من الشيخ البشير الإبراهيمي يعارض بعد الاستقلال حل جمعية العلماء، ويقاوم نظام الحزب الواحد والاشتراكية»

ـ دعوة جمعية العلماء المسلمين وأصولها:
1- الإسلام هو دين الله الذي وضعه لهداية عباده، وأرسل به جميع رسله، وكمّله على يد نبيّه محمد الذي لا نبي بعده.
2 - الإسلام هو دين البشرية الذي لا تَسعَدُ إلاّ به وذلك لأنّه:
أوّلا: كما يدعو إلى الأخوة الإسلامية بين جميع المسلمين يذكّر بالأخوّة الإنسانية بين البشر أجمعين.
ثانيا: يسوّي في الكرامة البشرية والحقوق الإنسانية بين جميع الأجناس والألوان.
ثالثا: لأنّه يفرض العدل فرضا عامّا بين جميع النّاس بلا أدنى تمييز.
رابعا: يدعو إلى الإحسان العام.
خامسا: يحرّم الظلم بجميع وجوهه وبأقلّ قليله من أيّ أحد على أيّ أحد من الناس.
سادسا: يمجّد العقل ويدعو إلى بناء الحياة كلّها على التفكير.
سابعا: ينشر دعوته بالحجّة والإقناع لا بالختل والإكراه.
ثامنا: يترك لأهل كلّ دينٍ دينهم يفهمونه ويطبقونه كما يشاءون.
تاسعا:شرَّك الفقراء مع الأغنياء في الأموال وشرع مثل القراض والمزارعة والمغارسة ممّا يَظهر به التعاون العادل بين العمّال وأرباب الأراضي والأموال.
عاشرا: يدعو إلى رحمة الضعيف فيُكفىَ العاجز ويُعلّمُ الجاهل ويُرشدُ الضّال ويُعان المضطر ويُغاث الملهوف ويُنصر المظلوم ويُؤخذ على يد الظالم.
حادي عشر: يحرم الاستعباد والجبروت بجميع وجوهه.
ثاني عشر: يُجعل الحكم شورى ليس فيه استبدادٌ ولو لأعدل الناس.
3- القرآن هو كتاب الإسلام.
4- السنة " القولية والفعلية" الصحيحة تفسير وبيان للقرآن.
5- سلوك السلف الصالح " الصحابة والتابعين وأتباع التابعين" تطبيق صحيح لهدي الإسلام.
6- فهوم أئمّة السلف الصالح أصدق الفهوم لحقائق الإسلام ونصوص الكتاب والسنة.
7- البدعة كلّ ما أُحدث على أنّه عبادة وقربة ولم يَثبُت عن النبي  فعله، وكلّ بدعة ضلالة.
8- المصلحة كلّ ما اقتضته حاجة الناس في أمر دنياهم ونظام معيشتهم وضبط شؤونهم وتقدّم عمرانهم مما تقرّه أصول الشريعة.
9- أفضل الخلق محمد  لأنّه:
أولا: اختاره الله لتبليغ أكمل شرعة إلى الناس عامّة.
ثانيا: كان على أكمل أخلاق البشرية.
ثالثا: بلّغ الرسالة ومثّل كمالها بذاته وسيرته.
رابعا: عاش مجاهدا في كلّ لحظة من حياته في سبيل سعادة البشرية جمعاء حتى خرج من الدنيا ودرعُه مرهونة .
10- أفضل أمّتِه بعده هم السلف الصالح لكمال إتباعهم له.
11- أفضل المؤمنين هم الذين آمنوا وكانوا يتقون وهم الأولياء والصالحون فحظُّ كلّ مؤمن من ولاية الله على قدر حظّه من تقوى الله.
12- التوحيد أساس الدين فكلّ شرك في " الاعتقاد أو في القول أو في الفعل" فهو باطل مردودٌ على صاحبه.
13- العمل الصالح المبني على التوحيد: بِه وحده النجاة والسعادة عند الله، فلا النسب ولا الحسب ولا الحظُّ بالذي يُغني عن الظالم شيئا.
14- اعتقاد تصرّف أحد من الخلق مع الله في شيء ما، شرك وضلالة ومنه اعتقاد الغوث والديوان.
15- بناء القباب على القبور وَوَقد السرج عليها والذّبح عندها لأجلها والاستغاثة بأهلها ضلال من أعمال الجاهلية ومضاهات لأعمال المشركين، من فعله جهلا يُعلّم ومن أقرّه ممّن ينتسب إلى العلم فهو ضالّ مضلّ.
16- الأوضاع الطرقية بدعة لم يعرفها السلف، ومبناها كلّها على الغلوّ في الشيخ والتحيّز لأتباع الشيخ وخدمة دار الشيخ وأولاد الشيخ إلى ما هنالك من استغلال وإذلال وإعانة لأهل الإذلال والاستغلال.. ومن تجميدٍ للعقول وإماتة للهمم وقتلٍ للشعور وغير ذلك من الشرور.
17- ندعو إلى ما دعا إليه الإسلام وما بيّنّاه منه من الأحكام بالكتاب والسنة وهدي السلف الصالح من الأئمّة، مع الرحمة والإحسان دون عداوة أو عدوان.
18- الجاهلون والمغرورون أحقّ الناس بالرحمة.
19- المعاندون المستغلّون أحقّ الناس بكلّ مشروع من الشدّة والقسوة.
20- عند المصلحة العامة من مصالح الأمّة، يجب تناسي كلّ خلاف يفرّق الكلمة ويصدّع الوحدة ويوجدُ للشّر الثُّغرة، ويتحتّم التآزر والتكاتف حتّى تنفرج الأزمة وتزول الشدّة بإذن الله ثمّ بقوّة الحقّ وادراع الصبر وسلاح العلم والعمل والحكمة. {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (سورة يوسف 108) عبد الحميد بن باديس قسنطينة بالجامع الأخضر إثر صلاة الجمعة 4 ربيع الأوّل 1356 الموافق لـ 14 مايوا 1937م .
ـ صحافة الجمعية:
أنشأ المحتلون الفرنسيون بعض الصحف العربية في الجزائر منذ وطئت أقدامهم أرض الجزائر، وذلك لنشر البلاغات الرسمية والبيانات الحكومية، ولم تكن هذه الصحف على مستوى عالٍ من التحرير والإخراج، فقد ظهرت فيها عيوب مختلفة كضعف اللغة وركاكة الأسلوب... ولم يبدأ ظهور الصحافة العربية الجزائرية إلاّ في أوائل القرن العشرين وغالبها بجهود فردية، وقد كان تأثّر هذه الصحف واضحا بالصحف المشرقية التي كانت تصل إلى الجزائر كالعروة الوثقى والمنار و و و
وجاءت نهاية الحرب العالمية الأولى لتظهر أولى الصحف الجزائرية القوية وهي جريدة ( النجاح ) التي تأسست عام 1337هـ الموافق لـ 1919م. فساهم فيها الإمام ابن باديس تأسيسا وتحريرا، وكانت مقالاته تظهر باسم مستعار هو القسنطيني والعبسي والصنهاجي، ولمّا رأى أنّ هذه الصحيفة غير قادرة على إحداث الهزّة العنيفة لإيقاظ الشعب الجزائري.. تركها ليؤسّس صحافته الخاصّة به
ـ صحيفة المنتقد:
أسّس الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله صحيفة المنتقد يوم 11 ذي الحجة 1343هـ الموافق لـ 2 جويلية 1925م وكانت لسان حال الشباب وكانت قويّة الحجة شديدة اللهجة على البدع والخرافات، فكان اسمها نذيرا للجهال والضُلَّال وهاتكا للقاعدة التي كانوا يأمرون بها العامة (اعتقد ولا تنتقد ) وكانت المنتقد ثقافية أدبية تهذيبية إخبارية.
وكتب الإمام رحمه الله في افتتاحيتها تحت عنوان ( مبادئنا وغايتنا وشعارنا) « بسم الله ثمّ باسم الحقّ والوطن ندخل عالَمَ الصحافة العظيم شاعرين بعظم المسؤولية، مستهلين كلّ صعب في سبيل الغاية التي نحن إليها ساعون، وها نحن نعرض على العموم مبادئنا التي عقدنا العزم على السير عليها، لامقصرين ولا متوانين، راجين أن ندرك شيئا من الغاية التي نرمي إليها بعون الله، ثمّ بجدنا وثباتنا وإخلاصنا، وإعانة إخواننا الصادقين في خدمة الوطن والدين»
وتلخّصت هذه المبادئ في ثلاثة أمور هي:
- المبدأ الأساسي.
- المبدأ التهذيبي.
- المبدأ الانتقادي.
وقال مبينا مبدأه الانتقادي « وسنسلك في انتقادنا طريق الحقيقة المجرّدة والصدق والإخلاص والنزاهة والنظافة في الكلام.. » ويمضي قائلا « هذه مبادئنا هي مبادئ الصحافة الحرّة التي هي قوّة لا غنى لأيّ أمّة عنها، ولا رقي لأمّة ناهضة بدونها» وبعد عددها الثامن عشر طواها الاستبداد فماتت في ميدان الشرف.

ـ مجلّة الشهــاب :
بعد سقوط صحيفة المنتقد جاءت مجلة الشهاب في نفس السنة رغم ثقل السلاسل وقيود القوانين، التي يريدون بها إطفاء نور الله، فأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون.
استمرّت تدافع عن القومية الجزائرية العربية الإسلامية، شاهرة السيف في وجه كلّ من أراد أن يخذل الأمّة أو أراد بالإسلام سوءا، وعاشت رغم الداء والأعداء فوق القمّة الشماء، تُحدث كلّ يوم ثغرة في صفوف الضلال، واستمرّت كذلك إلى شهر سبتمبر 1939م فأوقفها الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله من تلقاء نفسه
ـ صحف جمعية العلماء:
وصحف جمعية العلماء بالترتيب مع ما وقع لها في تلك الفترة هي كالتالي:
- السنة النبوية المحمدية - 13 عددا من 10 أبريل إلى 03 يوليو 1933.
- الشريعة النبوية المحمدية - 07 أعداد من 17 يوليو إلى 28 أوت 1933.
- الصراط السوي - 17 عددا من 11 ديسمبر 1933 إلى 08 يناير 1934.
وهذه الصحف الثلاثة التي أصدرتها جمعية العلماء تباعا في ظرف سنة واحدة، كانت تُعَطّل بقرارات من السلطة الفرنسية بالجزائر، وآخرها صحيفة ( الصراط ) جاء المنع عليها متبوعا بمنع جمعية العلماء من إصدار أية صحيفة لها وباسمها إلى حين إشعار آخر.
ثمّ استمرّ المنع طيلة فترة الأستاذ المستشرق ( ميرانت ) على رأس إدارة "الشؤون الأهلية الإسلامية الجزائرية "... وعندما رأت السلطة الفرنسية نقل هذا المستشرق إلى فرنسا وتعويضه بمستشرق آخر هو الأستاذ ( ميو ) أعادت الجمعية في عهده طلبها الرخصة القانونية لها بإصدار جريدة تكون لسان حالها، فَوَعَدَ (ميو) بالنظر في هذا الأمر، وبعد مدّة ليست بالقصيرة -كانت الجمعية فيها تستخدم لنشرياتها مجلّة "الشهاب" وغيرها - أذنِت السلطة الفرنسية لجمعية العلماء بإصدار"جريدة البصائر" الصادرة يوم الجمعة فاتح شوال ( يوم عيد الفطر) 1354هـ الموافق لـ 27 ديسمبر 1935م، سنتان كاملتان كنتا على الجمعية وعلى الأمّة الإسلامية كسني يوسف، وصدرت هذه الصحيفة في عهد حكومة " الواجهة الشعبية الاشتراكية الفرنسية" فكانت إيذانا ببدء عهد جديد من كفاح النهضة الوطنية، فاهتزّت الجمعية، ومعها الأمّة الجزائرية من أقصى حدودها الشرقية إلى أقصى حدودها الغربية، فخاضت المعركة في كلّ ميدان، وواجهت الطغيان والبهتان في كلّ مكان إلى حين إعلان الحرب العالمية الثانية في أوت 1939 حيث قرّرت الجمعية تعطيل صحفها اختيارا، بعد أن كان تعطيلها إجباريا، حتى لا تقع في حالة الطوارئ، وحتّى لا تتعرّض لمساومات فكان هذا الموقف من الجمعية أقسى على السلطات الفرنسية من أية صحيفة وأية حركة، وذلك هو النصر الذي وعد الله به المتقين.
هذا... وخلال هذه السنوات القليلة من الأعمال حقّقت الجمعية ما لم يحقّقه الاستعمار في خلال قرن من الزمن، «تلك هي عظمة الماضين من أبطالنا الميامين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فصدقهم الله بعونه ونصره، فزكى أعمالهم وباركها، فكانت السنون من هذه الأعمال كالقرون من أعمال غيرهم، حتّى أنّ كاتبا فرنسيا وهو (مارسيل ايمريت) طوى قرن الاحتلال الفرنسي لهذا الوطن في أقلّ من عشر سنين (1930 - 1940) وهي الفترة التي كانت هذه المجموعة من صحف جمعية العلماء (السنة، الشريعة، الصراط، البصائر ) تخوض غمار النهضة الوطنية الكبرى، وتطوّر الكفاح المرير، وتعبّئ النفوس بروح التصدّي والمقاومة، وترسم الأهداف المثلى للحياة الحرّة الكريمة، أو نيل فضيلة الاستشهاد...
وقد وضع ( ايمريت ) هذا.. أعمال فرنسا التمدنية في مدّة قرن من الاحتلال (1830 - 1930 ) في كفّة، ووضع أعمال جمعية العلماء في أقلّ من عشر سنين (1931 - 1940) في كفّة أخرى من الموازنة، فحكم برجحان هذه على تلك، من حيث بناء الكيان، كيان الأمّة الجزائرية الموحدة عقيدة وكيانا» .
ـ جمعية العلماء وجهاد المستَعْمِر:
عندما اندلعت الثورة الجزائرية المباركة (أول نوفمبر 1954) لم يتكلم أي حزب أو هيأة أو جمعية أو أي شخص ينتسب إلى أي منظمة جزائرية أبدا، بل الكل سكت وبقي يراقب الأحداث ، ولم يعلن أي أحد في هذا الظرف تأييده للثورة، ما عدا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي بادرت في الحين بتأييد الثورة ومساندتها ومطالبة الشعب الجزائري بنصرتها ودعمها والانضمام إليها.
فقد استبشر المسلمون بهذا اليوم ـ يوم اندلاع الثورة ـ خيرا، وراح العلماء يؤيدونه في كلّ مكان، فوجّه الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله نداءً من القاهرة إلى الأمّة الجزائرية يحثّها فيه على الالتحاق بركب المجاهدين والسير معهم في طريقهم، وعلى الانضمام إليهم، وفي سنة 1956 انضمّ كثير من أتباعها إلى جبهة التحرير ولكن كأفراد وليس كتنظيم .
ـ بيانات الجمعية في تأييد الثورية التحريرية:
وأوّل بيان صدر عن الجمعية كان قد وجّهه الشيخ الفضيل الورثلاني رحمه الله غداة اندلاع الثورة التحريرية مباشرة، وجهه باسمه وباسم مكتب جمعية العلماء الجزائريين بالقاهرة وقد نُشِر في حينه في الجزائر المصرية بتاريخ 3 نوفمبر 1954 وهذا نصّه: ـ نداء :
إلى الثائرين الأبطال من أبناء الجزائر
اليوم حياة أو موت = بقاء أو فناء
حياكم الله أيّها الثائرون الأبطال، وبارك في جهادكم وأمدّكم بنصره وتوفيقه، وكتب ميّتكم من الشهداء الأبرار، وحَيّّكم من عباده الأحرار.
لقد أثبتم بثَوْرَتكم المقدسة هذه عدّة حقائق:
الأولى:.. أنكم سفّهتم دعوى فرنسا المفترية، التي تزعم أنّ الجزائر راضية مطمئنّة، فأريتموها أنّ الرضى بالاستعمار كفر، وأنّ الاطمئنان لحكمه ذلّ، وأنّ الثورة على ظلمه فرض..
الثانية: أنّكم شددتم عَضُد إخوانكم المجاهدين في تونس ومراكش، وقوّيتم أمالهم في النصر وثبثّم عزائمهم في النضال وقد كان من حقّهم الثابت أن ينتظروا هذه النجدة منكم، فجئتم بها في وقتها، وكفرتم عن التقصير في هذه المباغتة المفزعة لعدوّكم.
الثالثة: أنّكم وصّلتم بثورتكم هذه حلقات الجهاد ضدّ المعتدين الظالمين الذي كان طبيعة دائمة في الجزائر منذ كان، وكشفتم عن حقيقته الرائعة في إحياء الضمير والموت في سبيل العزّة، وجَلَوتُم عن نفسيته الجبارة ما علق بها في السنين الأخيرة من صدى الفتور.
الرابعة: أنكم بيضتم وجوها وأقررتم عيونا، وسررتم نفوسا مملوءة بحبكم، معجبة بصفحاتكم القديمة من الجهاد، راثية لحالتكم الحاضرة.
إنّ فرنسا لم تترك دينا ولا دنيا، فأوقافُكُم مُصَادرة، لم يبق منها أثر ولا عين، ومساجدكم حُوِّّلت إلى كنائس ومرافق عامّة، وأرضكم الغنية مغصوبة ومستباحة، وكرامتكم مهدورة، وقد أراقت فرنسا من دماء أبنائكم أنهرا من الحروب الاستعمارية الإجرامية ولا تزال حتّى الآن تطمع في تسخير الملايين منكم لإذلال الأحرار من أمثالكم، كما فعلت في ( مدغشقر ) والهند الصينية، ولا تزال تساوم بكم وبخيرات أرضكم الدول الكبرى لمصالحها كأنّكم ضرب من البضاعة، ولقد عرفنا من حيث فرنسا ما يحملنا على الاعتقاد بأنّ ما تنويه من غدر، وما تخفيه من حقد، أعظم من أن يوصف، فانتبهوا أشدّ الانتباه، أيّها الأحرار الجزائريون أيها المكافحون في جميع أقطار المغرب العربي.
اعلموا أنّ الجهاد للخلاص من هذا الاستعباد قد أصبح اليوم واجبا عامّا مقدسا، فرَضَهُ عليكم دينكم، وفرضَتْهُ قوميتكم، وفرضته رجولتكم، وفرضه الاستعمار الغاشم الذي شملكم، ثمّ فرضته أخيرا مصلحة بقائكم، ولأنّكم اليوم أمام أمرين: إمّا حياة أو موت، إمّا بقاء كريم أو فناء شريف.عن مكتب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الفضيل الورثيلاني

ثم بعد هذا البيان جاء بيان رئيس الجمعية الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى وكان بعد خمسة عشر يوما من اندلاع الثورة يوم 15 نوفمبر 1954م قال الشيخ رحمه الله وهو في القاهرة:
أيها المسلمون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
حياكم الله وأحياكم، وأحيا بكم الجزائر، وجعل منكم نورًا يمشي من بين يديها ومن خلفها، هذا هو الصوت الذي يسمع الآذان الصم، وهذا هو الدواء الذي يفتح الأعين المغمضة، وهذه هي اللغة التي تنفذ معانيها إلى الأذهان البليدة، وهذا هو المنطق الذي يُقوّم القلوب الغلف وهذا هو الشعاع الذي يخترق الحجب الأوهام.
وكان العالَم يسمع بلايا الاستعمار الفرنسي لدياركم، فيعجب كيف لم تثوروا، وكان يسمع أنينكم وتوجعكم منه، فيعجب كيف تؤثرون هذا الموت البطيء على الموت العاجل المريح، وكانت فرنسا تسوق شبابكم إلى المجازر البشرية في الحروب الاستعمارية فتُموّتُ عشرات الآلاف منكم في غير شرف ولا محمدة، بل في سبيل فرنسا وتوسيع ممالكها وحماية ديارها، ولو أن العشرات من الآلاف من أبنائنا ماتوا في سبيل تحرير الجزائر لماتوا شهداء، وكنتم بهم سعداء.

أيها الإخوة الجزائريون :
احتلت فرنسا وطنكم منذ قرن وربع القرن وشهد لكم التاريخ بأنكم قاومتموها مقاومة الأبطال، وثُرتُم عليها مجتمعين ومتفرقين نصف هذه المدة فما رَعَت في حربها لكم دينا، ولا عهدا، ولا قانونا، ولا إنسانية، بل ارتكبت كل أساليب الوحشية، من تقتيل النساء والأطفال والمرضى، وتحريق القبائل كاملة بديارها وحيواناتها وأقواتها.
ثم حاربتم معها في صفها وفي سبيل بقائها نصف هذه المدة، ففتحت بأبنائكم الأوطان وقهرت أعداءها وحمت وطنها الأصلي، فما رعت لكم جميلا، ولا كافأتكم بجميل، بل كانت تنتصر بكم ثم تخذلكم، وتحيا بأبنائكم ثم تقتلكم، كما وقع معها في شهر مايو سنة 1945، وما كانت قيمة أبنائكم الذين ماتوا في سبيلها وجلبوا لها النصر، إلا أنها نقشت أسماء بعضهم في الأنصاب التذكارية، فهل هذا هو الجزاء ؟
طالبتموها بلسان الحق والعدل والقانون والإنسانية من أربعين سنة، بأن ترفق بكم وتنفس عنكم الخناق قليلا فما استجابت، ثم طالبتموها بأن ترد عليكم بعض حقوقكم الآدمية فما رضيت، ثم طالبتموها بحقكم الطبيعي الذي يقركم عليه كل إنسان وهو إرجاع أوقافكم ومعابدكم وجميع متعلقات دينكم، فأغلقت آذانها في إصرار وعتو، ثم ساومتموها على حقوقكم السياسية بدماء أبنائكم الغالية التي سالت في سبيل نصرها، فعميت عيونها عن هذا الحق الذي يقرره حتى دستورها، ثم هي في هذه المراحل كلها سائرة في معاملتكم من فظيع إلى أفظع.

أيها الأخوة الجزائريون الأبطال:
لم تبُقِ لكم فرنسا شيئا تخافون عليه أو تدارونها لأجله، ولم تبق لكم خيطا من الأمل تتعللون به، أتخافون على أعراضكم وقد انتهكتها ؟ أم تخافون على الحرمة وقد استباحتها؟ أم تخافون على الأموال وقد تركتكم فقراء تلتمسون قوت اليوم فلا تجدونه ؟ أم تخافون على الأرض وخيراتها، وقد أصبحتم فيها غرباء حفاة عراة جياعا أسعدكم من يعمل فيها رقيقا زراعيا معها ويشتري، حظكم من خيرات بلادكم النظر بالعين والحسرة في النفس! أم تخافون على القصور وتسعة أعشاركم يأوون إلى الغيران كالحشرات والزواحف! أم تخافون على الدين، ويا ويلكم من الدين الذي لم تجاهدوا في سبيله، ويا ويل فرنسا من الإسلام الذي ابتلعت أوقافه وهدمت مساجده، وأذلت رجاله، واستعبدت أهله ومحت آثاره من الأرض، وهي تجتهد في محو آثاره من النفوس.
أيها الإخوة المسلمون:
إن فرنسا لم تبق لكم دينا ولا دنيا، وكل إنسان في هذا الوجود البشري إنما يعيش بدين ويحيا بدنيا، فإذا فقدها فبطن الأرض خير له من ظهرها.
وإنها سارت بكم من دركة إلى دركة حتى أصبحت تتحكم في عقائدكم وشعائركم وضمائركم، فالصلاة على هواها، والحج بيدها لا بأيديكم، والصوم برؤيتها لا برؤيتكم، وقد قرأتم وسمعتم من رجالها المسئولين عزمها على إحداث "إسلام جزائري" ومعناه إسلام ممسوخ، مقطوع الصلة بمنبعه في الشرق وبأهله من الشرقيين.
إن الرضى بسلب الأموال قد ينافي الهمة والرجولة، أما الرضى بسلب الدين والاعتداء عليه فإنه يخالف الدين، والرضى به كفر بالله وتعطيل للقرآن.
إنكم في نظر العالَم العاقل المنصف لم تثوروا، وإنما أثارتكم فرنسا بظلمها الشنيع وعتوها الطاغي، واستعبادها الفظيع لكم قرنا وربع قرن، وامتهانها لشرفكم وكرامتكم، وتعديها على دينكم.
إن أقل القليل مما وقع على رؤوسكم من بلاء الاستعمار الفرنسي يوجب عليكم الثورة عليه من زمان بعيد، ولكنكم صبرتم، ورجوتم من الصخرة أن تلين، فطمعتم في المحال، وقد قمتم الآن قومة المسلم الحر الأبي، فأعيذكم بالله وبالإسلام أن تتراجعوا أو تنكصوا على أعقابكم، إن التراجع معناه الفناء الأبدي والذل السرمدي.
إن شريعة فرنسا أنها تأخذ البريء بذنب المجرم، وإنها تنظر إليكم مسالمين أو ثائرين نظرة واحدة وهي أنها عدوٌّ لكم وأنكم عدوٌّ لها، و والله لو سألتموها ألف سنة لما تغيرت نظرتها العدائية لكم، وهي لذلك مصممة على محو دينكم وعروبتكم وجميع مقوماتكم، إنكم مع فرنسا في موقف لا خيار فيه، ونهايته الموت، فاختاروا ميتة الشرف على حياة العبودية التي هي شر من الموت.
إنكم كتبتم البسملة بالدماء في صفحة الجهاد الطويلة العريضة، فاملأوها بآيات البطولة التي هي شعاركم في التاريخ، وهي إرث العروبة والإسلام فيكم، ما كان للمسلم أن يخاف وهو يعلم أنها كتاب مؤجل، وما كان للمسلم أن يبخل بماله أو بمهجته في سبيل الله والانتصار لدينه، وهو يعلم أنها مبايعة مع الله، وما كان له أن يرضى الدنية إذا رضيها في دنياه، أخلصوا العمل لله، وأخلصوا بصائركم في الله، واذكروا دائما وفي جميع أعمالكم ما دعاكم إليه القرآن في سبيل الحق، ومن بذل المهج والأموال في سبيل الدين، واذكروا قبل ذلك كله قول الله {وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} وقول الله {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }
أيها الإخوة الأحرار:
إني كلما ذكرت ما فعلت فرنسا بالدين الإسلامي في الجزائر، وذكرت فظائعها في معاملة المسلمين - لا شيء إلا لأنهم مسلمون - كلما ذكرت ذلك احتقرت نفسي واحتقرت المسلمين وخجلت من الله أن يراني ويراهم مقصرين في الجهاد لإعلاء كلمته، وكلما استعرضت الواجبات وجدت أوجبها وألزمها في أعناقنا الجهاد المقدس، فهو الذي يسقط علينا الواجب ويدفع عنا وعن ديننا العار، فسيروا على بركة الله وبعونه وتوفيقه إلى ميدان الجهاد المقدس فهو السبيل الوحيد إلى إحدى الحسنيين : إما موت وراءه الجنة وإما حياة وراءها العزة والكرامة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
. محمد البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين


يتبع: جمعية علماء السنة الجزائريين

Admin
Admin

المساهمات : 2275
تاريخ التسجيل : 12/11/2016

https://theparadise-road.ahlamontada.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى